إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }
آل عمران102

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء 1

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }[الأحزاب71،70 ].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

ثم أما بعد ..

فحياكم الله جميعا أيها الأخوة والأخوات ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا، وأسأل الله الكريم – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..






أحبتي في الله :

الفرقان الحق :

هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم ، في هذا اليوم الكريم المبارك ، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا ، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الخطير في العناصر التالية :

أولا : أحفاد مسيلمة الكذاب والتحريف الأبله .

ثانياً : لا تخشوا على القرآن فالله حافظه .

ثالثاً : ما واجبنا ؟

فأعيروني القلوب والأسماع فإن الموضوع اليوم من الخطورة والأهمية بمكان والله أسأل أن يجلعنا جميعا ممن { يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } الزمر18.

أولا : أحفاد مسيلمة الكذاب والتحريف الأبلة :

أيها الأفاضل إن الصراع بين الحق والباطل قديم بقدم الحياة على ظهر الأرض ، ولا زال الإسلام العظيم منذ أن بزغ فجره واستفاض نوره وإلى يومنا لا زال مستهدفاً من قبِل أعدائه الذين لم يدعوا سبيلا من السبل ، إلا وسلكوه للكيد لهذا الإسلام العظيم واستئصال شأفة المسلمين .

لكنهم علموا إلى حد اليقين أن الخطوة الأولى للقضاء على هذا الدين ، هي القضاء على القرآن الكريم ، ولكن هيهات هيهات ، فإن الذي تولى حفظ القرآن هو الله وما تولى الله حفظه لا يضيعه أحد.

لقد أعلنوا الحرب على القرآن من أول لحظه نزل فيها القرآن ، على قلب المصطفى r ، ومازال أحفاد الكافرين والمنافقين يتطاولون على القرآن وسوف تظل الحرب معلنة بشراسة ، وضراوة على القرآن ، لكن هل يضر السماء أن تمتد إليها يد شلاء ؟! وهل يطفىء نور الشمس جميع الأفواه ، ولو اجتمعت على وجه الأرض ؟! أين نور السُها من شمس الضحى ؟! وأين الثرى من كواكب الجوزاء ؟! .

سأدع الحرب القديمة عند المشركين قليلا ، لأبدأ بالحرب الحديثة على القرآن فلقد صرح الصليبي الحقود ((كادري)) بهذه الكلمات وآثرت أن أنقل كلمات القوم حرفياً حتى لا تسقط مني كلمة واحدة ، لأننا أمام حرب ضارية ، وسيحاول هؤلاء الكافرين والمنافقون أن يسقطوا بكل السبل كل من يعلن الحرب عليهم ، ليذب عن كتاب الله وعن دين محمد بن عبد الله r أسأل الله ألا يحرمنا جميعا من هذا الشرف إنه ولي ذلك ومولاه.

يقول الصليبي الحقود (( كادري )) بالحرف : يجب أن نستخدم القرآن وهو أمضى سلاح في الإسلام ، ضد الإسلام نفسه حتى نقضي على الإسلام تماماً ، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً ، وأن الجديد في القرآن ليس صحيحاً .

ويقول الصليبي الحقود (( ويليم جيفرد )) بالحرف : متى توارى القرآن – أي : اختفى – ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نري العرب يتدرجون في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد r وكتابه .

ويقول الحقود ((جلاد ستون)) رئيس وزراء بريطانيا سابقا بالحرف يقول: ما دام القرآن موجوداً في أيدي المسلمين، فلن تستطيع أوربا أن تسيطر على الشرق الأوسط، ولا أن تكون أوربا نفسها في أمان.

ثم قال أما مجلس العموم البريطاني قال بالحرف الواحد : أمامنا أربع عقبات للقضاء على الإسلام : أولها القرآن ، والكعبة ، وصلاة الجمعة ، والأزهر . نعم لا تستغرب أيها الشاب ، فقد ينظر الآن بعض طلابنا من قولته : والأزهر نعم ، الأزهر قلعة شامخة من قلاع العلم ، وهم يعلمون علم اليقين خطر هذه القلعة ، لذا فهم يعلنون الحرب على الأزهر من عشرات السنين للقضاء عليه ، لتحويله إلى مؤسسة كأي مؤسسة تعليمية أخري ، لا وزن لها ولا قيمة .

ثم يخرج علينا كذابو القرن العشرين أحفاد مسيلمة الكذاب من الأمريكيين والصهاينة ، يخرج علينا أفاكو وأحفاد مسيلمة بأكذوبة حقيرة خبيثة كبيرة في الأيام القليلة الماضية ، أعدوا لهذه الأكذوبة من سنوات ماضية ، خرجوا علينا بكتاب يسمونه زورا وبهتانا وتضليلا ، يسمونه بالفرقان الحق ، وفرقاننا الحق هو قرآن ربنا ، الفرقان الحق هو كلام ربنا : {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }[ الفرقان1] فالفرقان : هو كلام الرحمن هو القرآن الذي أنزله الله على قلب المصطفى r .

خرجوا علينا بهذه الأكذوبة زورا وبهتانا وتضليلا بكتاب أسموه : الفرقان الحق ، يتكون من ثلاثمائة وست وستين صفحة ، ويشتمل على سبع وسبعين سورة على غرار القرآن ، لكن هيهات هيهات .

كتاب يتكون من ثلاثمائة وست وستين صفحة،ويشتمل على سبع وسبعين سورة.

منها – تدبر معي ولا تغفل اليوم لحظة – تتكون الصفحات من هذه السور المزيفة الكاذبة الباطلة المدعاة .

من هذه السور سورة الفاتحة ، انظر إلى المجرمين يسمون بعض سور هذا الكتاب الباطل ، ببعض أسماء سور القرآن الكريم .

فأول سورة في كتابهم المزور تسمى بالفاتحة ، ومن سور الكتاب المزور سورة المحبة، وسورة الثالوث، وسورة الصلب، وسورة الزنا ، وسورة الطهر ، وسورة السلام ، وسورة الموعظة ، وسورة الصلاح ، وسورة الغرانيق ، وسورة المنافقين ، وسورة المحبة ، وسورة الأضحى ، وسورة الكافرون ، وسورة التنزيل ، وسورة العبث ، وسورة الشهيد ، إلى آخر أسماء هذه السور الباطلة المكذوبة .

ويفتتح هذا الكتاب الباطل بهذه الكلمات الكفرية فتقول أولى كلمات هذا الكتاب: بأسم الأب ، الكلمة الروح ، الإله الواحد الأوحد ، مثلث التوحيد وموحد التثليث.

وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ{1} اللَّهُ الصَّمَدُ{2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{4} [الإخلاص/1-4] وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً{88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً{89} تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً{90} أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً{91} وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً{92} إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً{93} لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً{94} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً{95} [مريم/88-95] .

وفي سورة مكذوبة أسموها : سورة السلام يقول كتابهم الباطل : والذين اشتروا الضلالة وأكرهوا عبادنا بالسيف ليكفروا بالحق ويؤمنوا بالباطل أولئك هم أعداء الدين القيم ، وأعداء عبادنا المؤمنين .

انظروا إلى الخلط ، انظروا إلى التزوير والتضليل والتلبيس .

وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة256] إلى : {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }[البقرة 257].

وفي نفس السورة المكذوبة يقول كتابهم الباطل : يأيها الناس لقد كنتم أمواتا فأحييناكم بكلمة الإنجيل الحق ثم نحييكم بنور الفرقان الحق- يقصدون كتابهم المضلل المزور هذا .

وفي سورة مكذوبة أسموها : سورة التوحيد يقول كتابهم الباطل : وما كان لكم أن تجادلوا عبادنا المؤمنين في إيمانهم ، وتكفرونهم بكفركم ، فسواء تجلينا واحدا أو ثلاثة أو تسعة وتسعين ، فلا تقولوا ما ليس لكم به علم ، وإنا أعلم بمن ضل عن السبيل .

وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة/73 ].

وفي سورة مكذوبة أسموها سورة المسيح يقول كتابهم الباطل : وقلتم : آمنا بالله وبما أوتي عيسى من ربه ثم تلوتم منكرين : ومن يبتغ غير ملتنا دينا فلن يقبل منه وهذا قول المنافقين.

وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا – جل وعلا : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران/85 ].

وفي سورة مكذوبة أسموها : سورة الصلب يقول كتابهم الباطل : إنما صلبوا عيسى المسيح ابن مريم جسدا بشرا سويا وقتلوه يقينا .

وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً{157} بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً{158} [ النساء / 157 ، 158 ] .

وفي سورة مكذوبة أسموها : سورة الثالوث يقول كتابهم الباطل : إن أهل الضلال من عبادنا ، أشركوا بنا شركا عظيما ، فجعلونا تسعة وتسعين شريكا بصفات وأسماء ما أنزلنا بها من سلطان ، وافتروا علينا بأن الجبار المنتقم المتكبر وحاشا لنا أن نتصف بإفك المفترين ، ونزهنا عما يصفون . وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{23} هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{24} [ الحشر / 23 ، 24 ] .

وفي سورة مكذوبة باطلة أسموها : سورة الموعظة يقول كتابهم الباطل : وزعمتم بأنا قلنا : قاتلوا في سبيل الله ، وحرضوا المؤمنين على القتال وما كان القتال سبيلنا ، وما كنا لنحرض المؤمنين على القتال إن ذلك إلا تحريض الشيطان الرجيم ، لقوم مجرمين .

وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا – جل وعلا : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } الأنفال65 .

وفي سورة مكذوبة أسموها : سورة الصلاح ، يقول كتابهم الباطل : يا أيها الذين ضلوا من عبادنا هل ندلكم على تجارة تنجِيكم من عذاب أليم تحابوا ولا تباغضوا وأحبوا ولا تكرهوا ، أعداءكم فالمحبة سنتنا ، وصراطنا المستقيم .

وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{11} [ الصف / 10 ، 11 ] .

وفي نفس السورة المكذوبة يقول كتابهم الباطل : ولا تطيعوا أمر الشيطان ولا تصدقوه ، إن قال لكم : كلو مما غنمتم حلالاً طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم . وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنفال69 ] .

وفي سورة مكذوبة أسموها : سورة الزنا يقول كتابهم الباطل : يا أهل السفاح من عبادنا الضالين ، لقد دفعتم بأنفسكم إلى الزنا بما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع أو ما ملكت أيمانكم ، فعارضت سنتنا في الإنجيل الحق بأن من أشرك بزوجة أخرى فقد زنا وأوقعها في الزنا والفجور .

وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} [النساء3]

وفي سورة مكذوبة أسموها : سورة المنافقين يقول كتابهم الباطل : ومكرتم ومكر الشيطان وهو خير الماكرين وطبع الشيطان على قلوبكم وسمكم وعلى أبصاركم ، وأنتم قوم لا تفقهون . وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال30 ] .

وفي سورة مكذوبة أسموها : سورة الجزية يقول كتابهم الباطل : وزعمتم بأننا قلنا: قاتلوا الذين لا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، يا أهل الضلال من عبادنا إنما دين الحق هو دين الإنجيل وفرقان الحق من بعده ، فمن ابتغى غير ذلك دينا فلن يقبل منه ، وقد كفر بدين الحق كفرا .

وأختم هذا الكفر والضلال والتحريف الأبله الساذج الأرعن أختم بقولتهم الخبيثة في سورة مكذوبة أسموها : سورة الغرانيق يقول كتابهم الباطل : يا أيها الذين كفروا من عبادنا ، لقد ضل رائدكم وقد غوى إن هو إلا وحى إفك يوحى ، علمه مريد القوى فرأى من مكائد الشيطان الكبرى ما رأى .

وفرقاننا الحق يقول فيه ربنا : { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى{1} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى{2} وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى{3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى{5} ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى{6} وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى{7} ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى{8} فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى{9} فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى{10} مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى{11}
[ النجم / 1-11] .

سقطت ذبابة على نخلة تمر عملاقة ، فلما أرادت الذبابة النجسة الحقيرة أن تطير قالت لنخلة التمر العملاقة الشامخة : تماسكي أيتها النخلة ، لأني راحلة عنك ، فقالت لها نخلة التمر العملاقة : انصرفي أيتها الذبابة الحقيرة فهل شعرت بك حينما سقطت علىُ لأستعد لك ، وأنت راحلة عني .

لا تخشوا على القرآن فالله حافظه .

أنا أقسم بالله أن هذا الكلام قد زادنا إيمانا بأن القرآن كلام الله .

لا تخشوا على القرآن فالله حافظه : هذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز شديد .

أيها الأفاضل : إننا نتحدى ، وسنظل نتحدى ، إلى يوم القيامة بهذا القرآن الكريم، فلقد تحدى الله به البشر جميعا ، ولا زال التحدي قائما إلى يوم القيامة ، تحدى الله أرباب البلاغة وأساطين الفصاحة ، وفرسان البيان أن يأتوا بقرآن مثله فعجزوا فخفف التحدي ، قال الله تعالى : {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } الإسراء88 ، فخفف التحدي فطلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثل سور القرآن قال تعالى : {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }هود13.

فعجزوا ، فخفف التحدي فطلب منهم أن يأتوا بسورة واحدة – جل وتعالى : {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{24} [ البقرة / 23،24 ] .

لقد ذهب عتبة بن ربيعة أبو الوليد ، ذهب يوماً إلى النبي r ليقول له : يا ابن أخي اسمع مني لأعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها فقال النبي r بأدب بالغ : ((تكلم يا أبا الوليد أسمع لك)) تكلم أسمع فقال له عتبة أبو الوليد : يا ابن أخي : إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكانة في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفهت به أحلامهم ، وعبث به من مضى من آبائهم ‘ فإن كنت تريد بهذا الأمر مالا ، جمعنا لك من أموالنا ، حتى تكون أغنانا ، وإن كنت تريد بهذا الأمر شرفا ، أو ملكاً سودناك علينا ، حتى لا نقطع أمراً من دونك ، وإن كنت تريد بهذا الأمر ملكا ملكناك علينا ، وإن كان الذي يأتيك رئيا من الجن بذلنا لك أموالنا وطلبنا لك الطب حتى تبرأ ، فرد النبي بأدب وقال : ((أو قد فرغت يا أبا الوليد ؟)) قال : نعم قال : (( فاسمع مني )) فوضع أبو الوليد يديه خلف ظهره وقال : أسمع تكلم يا محمد ، والله ما زاد المصطفى على آيات كريمة قرأها من صدر سورة فصلت ، قرأ النبي r قول الله – جل وعلا - : بسم الله الرحمن الرحيم { حم{1} تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ{2} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{3} بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ{4} وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ{5} قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ{6} [ فصلت / 1-6 ] وظل النبي الكريم r يقرأ آيات كريمة من سورة فصلت إلى أن وصل إلى آية السجدة إلى قول الله – جل وعلا : { وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{37} فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ{38} [ فصلت / 37،38 ] وخر النبي r ساجدا لله – جل وعلا – فلما رفع النبي r رأسه قال : (( أو قد سمعت يا أبا الوليد )) ؟ قال نعم ، قال : (( فاصنع ما بدا لك )) .

فانصرف أبو الوليد إلى قومه من المشركين ، فلما نظروا إلى وجهه قالوا جميعا على لسان رجل واحد : نحلف بالله أن أبا الوليد قد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به إلى محمد ، غَيَُره القرآن ، فقالوا : ما وراءك يا أبا الوليد فقال : يا قوم والله والله لقد سمعت آنفا من محمد كلاما ، ما هو بالشعر ولا بالسحر ، ولا بالكهانة ، والله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم ، فخلوا بين الرجل ، وبين ما هو فيه ، واجعلوها لي ، فإن تظهر عليه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وقد كفيتموه بغيركم قالوا : سحرك والله محمد يا أبا الوليد ، كما قال الوليد بن المغيرة ورد الله عليه في قوله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً{11} وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً{12} وَبَنِينَ شُهُوداً{13} وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً{14} ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ{15} كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً{16} سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً{17} إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ{25} سَأُصْلِيهِ سَقَرَ{26} وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ{27} لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ{28} لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ{29} عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ{30} [ المدثر/ 11-30 ] .

والله لقد صدع جلال القرآن عناد الكفر في قلوبهم ، لكنه الكبر والاستعلاء ، لقد أعلنوا الحرب على الرسول ، لكنهم كانوا يخافون القرآن ويقولون : { لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } فصلت26.

والله لقد تقدم النبي r يوما في بيت الله الحرام ووقف يصلي لله – جل وعلا – بين رؤوس وصناديد الشرك والكفر في مكة ، واستفتح النبي r قراءته في الصلاة بسورة النجم ، وفي آخر السورة قرأ النبي r آيات جليلة كريمة تأخذ القلوب أخذا ، قرأ قول الله تعالى : { أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ{59} وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ{60} وَأَنتُمْ سَامِدُونَ{61} فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا{62} [ النجم / 59-62] ، وخر النبي r ساجدا لله فلم يتمالك أحد من المشركين نفسه أمام جلال القرآن ، فخر المشركون كلهم سجدا لله خلف رسول الله r والحديث رواه البخاري مختصرا من حديث ابن عباس : سجد رسول الله r بسورة النجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس(1).

ولا زال عطاء القرآن متجدداً في عصر العلم ، وهذا ما أريد أن أركز عليه ، ولا زال عطاء القرآن وجلال القرآن متجدداً ، في عصر العلم ، فلم يكتشف العلم الحديث إلا من سنوات قليلة ماضية ، أن موج البحر بسطحه المائل يعكس ضوء الشمس الذي يسقط عليه ، ليكوَّن خلف هذا الموج الظاهر ظلاماً دامساً ، في ظلام دامس لم يكتشف العلم الحديث ، هذه الحقيقة العلمية ، إلا من سنوات قليلة ، مع أن القرآن الكريم قد أخبر بهذه الحقيقة العلمية منذ أكثر من 1400 عام كما في قول الله – جل وعلا : {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ } [النور/40 ]

ولم يكتشف العلم الحديث أن القمر كان مضيئاً ، ثم محي ضوؤه إلا من سنوات قليلة، مع أن القرآن ، قد أثبت هذه الحقيقة العلمية الهائلة يوم أنزله الله على قلب المصطفى r في قوله جل وعلا : {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } [الإسراء /12 ] .

ولم يكتشف العلم الحديث أن الجبال بعد هذه الطبقة الصلبة في الأرض تنزل على شكل وتد في طبقة لزجة لينة لتثبت الأرض من الميل والدوران ، ولم يكتشف العلم هذه الحقيقة إلا من سنوات قليلة ، ولقد ذكرها القرآن يوم أنزله الله على قلب المصطفى r فقال – جل وعلا : {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً } [ النبأ/7 ] .

بل من أجمل ما قرأت في هذا الباب في سنوات قليلة ماضية من عشرين عاما ، لا تزيد إلا قليلا ، وعلى وجه الدقة من عام 1981 م يوم تولى رئاسة فرنسا فرنسوا ميتران، وطلبت فرنسا رسميا من مصر أن ترسل هيئة الآثار المصرية جثة فرعون ، لإجراء بعض الفحوصات والدراسات الأثرية على هذه الجثة وحملت جثة فرعون إلى فرنسا .

وفي استقبال مهيب وقف الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران ، وكل وزرائه حين أنزلت الجثة من الطائرة ، انحنى الجميع وعلى رأسهم ميتران لجثة الفرعون لجثة أكبر طاغوت عرفته الأرض ، ثم حمل الجثمان بعد هذا الانحناء الخاشع الخاضع في استقبال لا يقل حفاوة عن استقبالهم له عند سلم الطائرة ، ونقل إلى جهة الآثار ، أو هيئة الآثار الفرنسية ، إلى جناح خاص في هيئة الآثار الفرنسية ، وقام فريق كبير من العلماء بشتى تخصصاتهم لدراسة هذه الجثة العجيبة الغريبة كيف نجحت إلى هذه اللحظة بعد هذه السنوات الطويلة ؟! وكان على رأس هذا الفريق العلمي البروفيسور ((موريس بكاي)).

وإنشغل كل فريق بتخصصه لكن رئيس هذه اللجنة العلمية ((موريس بكاي)) كان قد انشغل بأمر آخر ألا وهو : كيف مات هذا الفرعون ؟ كيف مات ؟ وكيف ظل جسده سليماً إلى هذه اللحظة ؟ وطالت مدة البحث والدراسة ، وبعد مدة طويلة خرج ((موريس بكاي)) ليذيع سراً وكأنه يذيع سرا لأول مرة ، ويدلي باكتشاف علمي لأول مرة ، خرج ليقول: لقد اكتشفت بالحاسوبات والآلات الدقيقة العلمية الحديثة ، أن هذا الفرعون قد مات غريقاً ، والله – الحمد لله - الذي جعلنا موحدين ، وجعلنا من أتباع سيد المرسلين ، وشرفنا وأنزل على قلب نبينا r هذا القرآن الكريم .

قال : اكتشف بالحاسوبات والآلات العلمية الحديثة الدقيقة ، أن هذا الفرعون مات غريقا، فلا زلت أرى أثرا لبقايا الملح العالقة بجثمانه فهمس في أذنه أحدهم وقال : لا تتعجل فإن المسلمين يزعمون أن القرآن الذي بين أيديهم يذكر أن هذا الفرعون قد مات غريقا ، فنظر إليه وقال : ماذا ؟ ماذا تقول ؟ فكرر عليه ، قال : كيف ؟! كيف تزعم ذلك ولم تستطع العرب أن تكتشف هذه الآلات العجيبة علا الإطلاق ؟! بل ما كشفت إلا من سنوات قليلة كيف ؟! قال : لا تتعجل ، ابحث المسألة .

فلم ينم (( موريس بكاي )) ليلته وقال : ائتوني بالتوراة ، ائتوني بالإنجيل ، فأحضروا له التوراة ، وأحضروا له الإنجيل فقرأ في التوراة والإنجيل فلم يجد أثرا في آية واحدة تتحدث عن أن الله قد أبقى جثة هذا الفرعون ، لم يجد أثرا ، قال ائتوني بالقرآن ، فحضر له بعض أهل العلم من المسلمين ، وفتحوا له القرآن الكريم ، في آية وجيزة مختصرة بليغة فذة فقرأوا عليه قول الحق – جل وعلا : {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } [ يونس/92 ] وفي قراءة : {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } .

فلما قرأوا الآية أمامه ، اسمع اسمع صرخ هذا العالم الفرنسي (( موريس بكاي )) وقال : أشهد أن القرآن من عند الله ، وظل الرجل يقرأ في القرآن عشر سنوات ، يريد أن يستخرج من القرآن خطأ علمياً واحداً فلم يجد فعاد وقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمد رسول الله ثم ألف كتابه الخطير : ((القرآن والتوراة والإنجيل والعلم الحديث )) والكتاب عندي ولقد قرأت الكتاب كلمة كلمة ((القرآن والتوراة والإنجيل والعلم الحديث )) وقد طبع الكتاب بالفرنسية والعربية والإنجليزية والألمانية وكثير من لغات أهل الأرض ، وطبع طبعات كثيرة كثيرة ، وقد أحدث هذا الكتاب ضجة عالمية ، لكننا وبكل أسف لا نتابع فضلاً عن أن إعلامنا لا ينشغل بمثل هذه الأمور التافهة التافهة، لأنه منشغل لمعالي الأمور : بالكرة والمسلسلات الهابطة والأفلام الساقطة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر/9] أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل وسلم ، وزد وبارك عليه ، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه ، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين ..

أما بعد :

فيا أيها الأحبة الكرام وأخيرا ما واجبنا ؟

يجب على كل مسلم ومسلمة أن يشهد اليوم للقرآن حقيقة صادقة على أرض الواقع ، وذلك بالتمسك بكتاب الله – جل وعلا – وبسنة سيدنا رسول الله r.

فإن الأعداء يرقصون الآن رقصة الموت ، ومن يرقص رقصة الموت ، يستخرج أو يخرج كل ما في جعبته للقضاء على خصمه ، وأنا أقول : إنهم يرقصون الآن رقصة الموت، لأنه بعد سنوات طويلة من سنوات التيه والتغريب ، وجدوا أن الشباب الصاعد قد ولى ظهره لواشنطن ولندن وبانكوك وباريس ومدريد ، وتل أبيب، ووجه وجهه من جديد لبيت الله – جل جلاله – وهو يردد الآن مع السابقين الأولين قولتهم الخالدة : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [ البقرة / 285 ] .

فلنتمسك بالقرآن قراءة تلاوة سماعا تدبرا للقرآن عملا بأحكام القرآن ، فلنمتثل أوامر القرآن أمرا أمرا ، متى ستشهد للقرآن إن لم تشهد له اليوم ؟ متى ؟ متى سيحترق قلبك وتحترق جوارحك إن لم تشهد الآن للقرآن شهادة عملية على أرض الواقع ، بامتثال أوامره أمرا أمرا ، باجتناب نواهيه نهيا نهيا ؟ بالوقوف عند حدوده حدا حدا ؟

لا تعلق على الحكام ولا على العلماء ، ولا على الأعداء ، ابدأ يا أخي ولأبدأ أنا ولتبدئي يا أختاه فلنزين ولنجمل بيوتنا بآيات القرآن ، لا لنعلق القرآن على الجدران ، لا لنضع القرآن في علب القطيفة .

بل لنعطر أنفاس البيوت ، وأنفاس الطرقات والشوارع ، والمزارع والمصانع بآيات القرآن الكريم (( اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه ))(1) .

((من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ، أما إني لا أقول ألم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف))(2) ((يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وسورة آل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو غيابتان أو حزقان أو فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة)) والحديث رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان(3)

اقرأوا القرآن ومن لم يستطع منكم أن يقرأ القرآن إلا بمشقة ، فليقرأه .

ففي الصحيحين من حديث عائشة أنه r قال : (( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران ))(4)

ثم عاهد ربك الآن وأنت بين يديه عاهد ربك الآن ، هيا الآن ، وعاهدي ربك الآن ، أيتها المسلمة وأنت أيها المسلم ، يا من ستسمعني عبر شريط الكاسيت في أرجاء الأرض ، أنا أخاطبك في أوربا في أمريكا أخاطبك في أستراليا ، أخاطبك في الصين ، وفي كل مكان.

فالمسألة فيها قولان : لكن قول الجمهور – وأدين الله بذلك : أن من تفرغ ليحفظ أولادنا القرآن فلنمنحه بسخاء بسخاء بسخاء من أموالنا ، يدمي القلب أن نمنح دماء قلوبنا لمدرسي اللغات الأجنبية ، وأنا لا أقلل من شأن تعليمها لأولادنا ، ولكن الذي يدمي القلب ، أن نمنح بسخاء ، بل دماء قلوبنا لمدرسي اللغات الأجنبية ، أما من يدرس لأولادنا علوم القرآن ومن يحفظ أولادنا القرآن ينظر إليه باستهزاء ، وينظر إليه بازدراء ، وينظر إليه باحتقار ، وإن أعطيناه فتاتاً من المال نمن عليه بهذا العطاء ، فلنحفظ أولادنا القرآن .

فليجتهد كل غني صادق أن يخصص من ماله راتباً شهرياً للنبهاء من أولاد المسلمين ممن يحفظون القرآن الكريم ، وأنا أعلم كثيرا من أهل الفضل يعملون ذلك يقول أحدهم ونعرفهم : من يحفظ جزءا من كتاب الله – تبارك وتعالى – يأخذ على جهده على جهده وحفظه خمسين جنيها .

وهكذا ، خصص من مالك مالاً لهذا الأمر العظيم .

رابعا: احرصوا على انتشار الكتاتيب في البيوت، وفي المساجد، في البيوت، في المساجد، لا زلت أذكر في هذه القرية الطيبة أننا قد أنهينا حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة ، ولم أكن وحدي ، بل كنا مجموعة كبيرة من الأطفال الصغار ، فلنعد للكتاب مكانته ، ولنعد للقرآن جلاله ومهابته ، وأخاطب المسؤولين ، ربما تصل كلمتي إليهم ، وأنا ما اعتدت ذلك اعتدت أن أخاطب من بين يدي ، لكن ربما أسأل الله أن يبلغ كلمتي إليهم أنقلها لهم بأدب جم وحب فياض وأقول : اجعلوا القرآن الكريم مادة أساسية من مواد الرسوب والنجاح ، واجعلوا له أعلى الدرجات لتدفعوا أولادنا الصغار لحفظ كتاب العزيز الغفار ، وأخاطب المسؤولين في وسائل المواصلات أن يحرصوا على أن يسمعوا الركاب القرآن في الجهات والمصالح الحكومية فليدوُ القرآن في جنبات الأرض ، إنه
كلام الحق .

والله لا أنسى حين كنت في كندا في كندا ، في تورنتو ، وفي المركز الإسلامي، جاءني الإخوة القائمون على المركز بعشرة أطفال كنديين يحفظون القرآن كله، أسأل أحدهم، أكتب له كلمة، وأسأله: اقرأ هذه الكلمة بالعربية يعتذر لا يستطيع قراءتها، وأقول له: اقرأ من قوله تعالى: {إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } فيقول: {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً{9} وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ الإسراء / 9،10 ].

ويقرأ القرآن بسلاسة وجمال في كندا في روسيا في أمريكا فلنحرص على أن نعلم أولادنا القرآن . ثم فلنتخلق بأخلاق القرآن ، يا إخوة أنا أعلنها لله ! لله ! أقول : إن الحق معنا، أن الحق معنا لكننا لا نحسن أن نشهد لهذا الحق على أرض الواقع شهادة عملية خلقية سلوكية كريمة ، ولا نحسن أن نبلغ هذا الحق لأهل الأرض بحق ، وإن الباطل مع غيرنا ، لكنه يحسن أن يلبس الباطل ثوب الحق ، ويحسن أن يصل بالباطل إلى حيث ينبغي أن يصل الحق ، وحينئذ ينزوي حقنا ويضعف كأنه مغلوب ، وينفتح باطلهم وينتفش كأنه غالب ، وهنا نتألم لحقنا الذي ضعف وانزوي وللباطل الذي انتفخ وانتفش ، فنعبر عن ألمنا هذا بصورة من صورتين : إما أن نعبر عن ألمنا بصورة ساكنة مكبوتة سلبية فتزداد هزيمة نفسية وانعزالا عن جميع المجتمع والعالم ، وإما أن نعبر عن ألمنا بصورة متشنجة منفعلة صاخبة دموية ، فنخسر الحق للمرة الألف وللمليون ، لأن أهل الأرض في الأرض سيزدادون حينئذ بغضا للحق الذي معنا وإصرارا على الباطل الذي معهم ، فلنتخلق بأخلاق القرآن ، فلنمتثل أمره ، فلنجتنب نهيه ، فلنقف عند حده ، فوالله ما تحول الصحابة من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة للدول والأمم إلا يوم أن حولوا هذا القرآن في حياتهم إلى واقع عملي ، وإلى منهج حياة ، شهادة : آثم قلبه من لم يشهد بها اليوم للقرآن ، ثم لماذا لا تعاهد ربك أنت الآن على أن تبدأ من اليوم حفظ كتاب الله – جل وعلا – لماذا ؟ لماذا لا تعاهد ربك من الآن على أن تبدأ حفظ كتاب الله ولو أن تحفظ كل يوم آية واحدة ! لا تخشوا على القرآن ، فالقرآن قد تكفل الله بحفظه : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر/9] .

[ الدعاء ]


(1) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، باب {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا } [النجم/62 ] (4862) .

(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (804/252) وأحمد في المسند (5/255،257) من حديث أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه .

(2) أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن ، باب ما جاء فيمن قرأ حرفا من القرآن ما له من الأجر (2910) ، وقال : ( هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ) ، الدارمي في كتاب فضائل القرآن ، باب فضل من قرأ القرآن (3308) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (805/253) ، وأحمد في المسند (4/183) .

(4) أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، باب (1) رقم (4937) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه (798/244) وأبو داود في كتاب الصلاة ، باب ثواب قراءة القرآن (1454) ، وأحمد في المسند (6/94،48) من حديث عائشة – رضي الله عنها .